اسلاميات

تفسير الشعراوي لسورة الكهف

تفسير الشعراوي لسورة الكهف

أهمية سورة الكهف و فضلها :

سورة الكهف من السورالمكية التي اختصها الله بفضل معين وأنها لو قرأت يوم الجمعة تكون للانسان نورا بين الجمعتين  كما نُقل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ). كما ذكر رسول الله -عليه الصلاة والسلام فضلها وان المسلم لو قرأها سوف تقيه من فتنة المسيخ الدجال فروى الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه- أنّ الرسول قال: (فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ) وسبب تسميتها بهذا الاسم نسبةً إلى قصة أصحاب الكهف التي وردت في بداية  السورة  والدالة على قدرة الله واعجازه قال تعالى: (أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحابَ الكَهفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِن آياتِنا عَجَبًا).

سبب نزول سورة الكهف :

ورد في سبب نزول سورة الكهف أنّ المشركين قد بعثوا برجلين من اليهود ليسألوا أحبارهم عن رأيهم في دعوة النبي صلى الله علبه وسلم، فكان ردّ الأحبار بأن يذهبوا الى سيدنا  محمد ويسالوه عن مجموعةٍ من الفتيان، وعن رجلٍ طاف الأرض ووصل مغربها ومشرقها، فنزل الوحي بالرد عن تلك الأسئلة بنزول سورة الكهف . كما كانت سورة الكهف دليلاً من الأدلة التي جاءت تصديقاً على نبوة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، ونزلت سورة الكهف في الوقت الذي عانى فيه أهل مكة من الظلم والقهر، كما بيّنت السورة ما عانى منه أصحاب الكهف، فكانت كالفرج بعد الشدّة .

أهم الموضوعات والمباحث التي تناولتها السورة :

تُناولت سورة الكهف  عدد كبير من الموضوعات والمباحث الهامة وهي كالاتي:

1 . العقيدة، بموضوعاتها المتعددة كالإيمان باليوم الآخروالبعث وما يتضمّنه من الوعيد للكافرين والوعد للمؤمنين، وتنصّ آياتها على بعضٍ من دلائل البعث.

2 . عرض مجموعةٍ من الحوارات؛ كحوار أصحاب الكهف مع المشركين من قومهم، وحوارهم فيما بينهم، وحوار صاحب الجنتين مع صاحبه، وحوار موسى مع الخضر، وغيرها من الحوارات الواردة في السورة.

3 . تناولت العديد من الفتن كفتنة الدين ؛و المال و السلطان و العلم.

4 . ضرورة تحسين مستوى الخطاب والوصول فيه إلى مستوى عالٍ كخطاب أصحاب الكهف مع قومهم وخطاب موسى -عليه السلام- مع والخضر.

5 . تقديم التوعية للأئمة وكلّ مَن هو في موضع نظر الناس وقدوتهم إلى ضرورة كفّ النفس عمّا يملك الناس من المال.

6 . بيان مكانة وأهمية الصُحبة الصالحة؛ كما ورد في قصة موسى والخضر، وقصة صاحب الجنتين، وقصة أصحاب الكهف.

وسوف تناول أحد تلك الموضوعات  والتي ركزت على اربعة انواع من الفتن و هى فتن الدين و المال و العلم و السلطه ونقدمها من خلال تفسير وخواطر الشيخ محمد متولي الشعراوى كالاتى:

فتنه الدين :

هذا الحديث هو الذي دار بين الفتية بعضهم إلى بعض: ما دُمْنا قد تركنا واعتزلنا أهل الكفر، وبعدنا عن طريقهم وكفرهم، واتخذنا مسلكَ الإيمان بالله الذي سهله الله علينا ،فهلموا نذهب إلى هذا الكهف ونتخذه ملجأ وحماية لنا ونعتبره ملاذا نفر بيه بديننا وايماننا، و ذلك لاننا نخاف أن يقوم قومنا بفتنتنا وابعادنا عن ديننا. و يبين هنا الشعراوي خاطرة هامة وهو أن الفتية حينما قرروا الهروب لم يقصدوا بلدا واسعا اوأرضا فيها براح وسعة من الحياة ، بل ذهبوا إلى كهف ضيق في جبل في صحراء يلتمسوا فيه حمايتهم، مع أنه خالي من اي معلم من معالم الحياة؛ لذلك يرشدنا الله عزوجل  ويحذرنا من أن نتعجب من فعل هؤلاء الفتية ونقول كيف يعيش هولاء الفتية في هذا الكهف الضيق ؟  ذلك لأن هؤلاء الفتية هاجروا إلى الله ولجئوا اليه طالبين حمايته  وذلك هو قمة التوكل على الله .لذا  قال الله سبحانه وتعالى بعدها: {يَنْشُرْ لَكُمْ} [الكهف: 16]  لان الضيق عكسه البَسْط والسّعة، فقد  ذكروا تلك الكلمة {يَنْشُرْ لَكُمْ} وهم على أتم الثقة واعتقاد في رحمة الله  وفضله. فكل من هاجر الى الله طالبا حمايته لن يُسلمه  ولن يخذله، بل  سيُوسِّع عليهم بفضله ورحمته هذا الضيق، وقد  استجاب الله لهم ووَسَّع عليهم فعلاً حين  جعلهم ينامون فالنائم يسرح في براح الدنيا هنا وهناك وهو نائم لا تحدُّه حدود؟

ومن أمثلة تلك السعة أيضا ما حدث في قصة نبي الله موسى عليه وعلى نبينا محمد الصلاة والسلام حينما أدركه فرعون بجنوده حتى خاف أتباع سيدنا موسى عليه السلام وقالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ..} [الشعراء: 61]، فقد ضيق عليهم فرعون الخناق حيث كان البحر أمامهم، وفرعون العدو وجنوده من خلفهم، ولم يجدوا أى مهربَ لهم في هذا الخناق. فماذا قال موسى لقومه في هذا الموقف؟ قال لهم وهو واثقا من نصرومدد الله له: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]. فاتاه  في نفس التو واللحظه التأييد من الله عز وجل ، وفُرّج  الله ضيق حالهم هو  وأصحابه  حيث أوحى الله إلي نبيه الكريم الحل وهو: {اضرب بِّعَصَاكَ البحر} [الشعراء: 63].

فتنه المال و البنون :

يكمل الشعرواى رحمه الله  خواطره ويبحر في تفسيراته عبر تلك الفتنه الثانية وهي فتنة المال والولد (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا) يقول الشعراوي عرفنا أنهما جنتان، فلماذا قال الله عز وجل: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ..} [الكهف: 35] ذكر الشعراوي : لأن الإنسان  لو امتلك جنتان فلنْ  يستطيع دخولهما في نفس التوقيت ، بل سيدخل واحدة تلو الأخرى. وقوله: {وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ..} [الكهف: 35]  هل من الممكن أن يظلم الانسان نفسه ؟ نحن نعلم أن الانسان قد يظلم غيره من البشر، و لكن كيف يوقع الظلم على نفسه ؟او كيف يظلم نفسه هو؟  يجيب الشيخ الشعراوي موضحا أن الإنسان قد يظلم نفسه عندما يوردها المهالك ويسهل عليها  اتيان المحرمات  ويُرخيِ لها حبال وعنان الشهوات، وهوهنا يقدم لها ملذات زائلة ويفوت عليها ما هو أهم وأبقى من نعيم الاخرة اى انه بذلك يحرمها من مشتهيات باقية ودائمة وعظيمة ، والنفس لها جانبان مادي ووجداني : اما الجانب  المادي فهو الجانب  الذي يشتهي ، واما الجانب الوجداني فهو الذي ينهى ويردع  لانه مبني على الفطرة السليمة .

اذن هناك صراع وجدال دائم بين الجانبين او لنقل العنصرين المكونين للنفس البشريه من مادي ووجداني لذلك نراهم  يقولون:  أن أعدى أعداء الإنسان هي نفسه التي موجودة  بين جنبيه، فإنْ استنكرت ذلك وقلت كيف يحدث ذلك ؟وأنا ونفسي في الاساس شيء واحد؟ هنا يجيب الشيخ موضحا هو انك لودققت في حياتك وركزت لوجدت  أنك تارة توجه لنفسك حديثا بشيء وتارة تلومها علي نفس الشيء وتكون في صراع بينهما ؛ وذلك  لأن بداخلك شخصيتين:  الاولى هي الشخصية الفطرية، والشخصية  الثانية  هي الشهوانية، فإنْ انحرفت النفس الشهوانية أو مالت قامت النفس الفطرية بتقويمها وتعديل سلوكها. لذلك يوضح الشيخ الشعراوي ويقول  : إن المنهج  الرباني  للبشرية جميعها انه في حال  انتشار المعاصي بين  الناس، ولم يَعُدْ هناك لا مرشد ولا ناصح هنا يحدث التدخل الرباني فيرسل الله الرسل بالتذكير والارشاد، ويستثنى من ذلك أمة  سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سبحانه قد حَمَّلهم رسالة  رسولهم ، بل وجعل هدايتهم بأنفسهم، و حملهم راية الدعوة إلى الله؛ لذلك  ليسوا بحاجة إلى  نبي آخر. وكأنه سبحانه  يريد أن يطمئننا أن الفساد لن يَدوم ، فإنْ وُجِد من بين هذه الأمة العصاة،  فالطائعون موجودون أيضا وهم  يحملون راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه  من أهم الامور التي يبنى عليها المجتمع الإسلامي.

ثم يقول تعالى: {قَالَ ما أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً} [الكهف: 35]. فهل المعنى هنا أنه قد ظلم نفسه بالدخول؟ لا، لأن الجنه ملكه  ومن حقه أن يدخلها  متى يشاء، إنما  المقصود بالظلم هنا ما جال في نفسه وقت دخولها من حديث وهو استعلائه بالنعمة ، لأنه قال: ما أظنُّ أنْ تبيدَ هذه أبدا وتمادى في غروره قائلا: ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا)

السابق
تفسير الشعراوي لسورة البقرة
التالي
حادثة الافك في القرآن و السنة

اترك تعليقاً