المحتويات
مقدمه
العالم الاسلامى يستمد حيويته و استمراره من مصدرين هما كتاب الله عز وجل و سنة نبينا محمد صل الله عليه و سلم و ذلك مصدقا لقوله “تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى ابدا كتاب الله و سنتى”. و من نعم الله سبحانه و تعالى على الامه المحمديه ان تعهد بحفظ القران الكريم احد المصدرين، قال جل شأنه “انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون” الحجر 9. اما المصدر الثانى هو سنة النبى صل الله عليه و سلم فقد عنى بها الصحابه و التابعين و بذلوا الجهد الكثير لحفظها من الضياع و تصدوا لمحاولات التبديل و التشويه و الاضافه. و من احد هؤلاء الافذاذ الامام البخارى.
ترجمة الامام البخاري
الاسم هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرةِ البخارى، ولد في بخارى سنة أربع و تسعين ومائة بعد صلاة الجمعة فى شوال، و كنى بابو عبدالله، و لقب بامير المحدثين. رحلة البخاري فى طلب العلم تبدا من بلده بخارى ثم إلى مكة، وبلخ، ومرو، ونيسابور، والرَّي، وبغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، ومصر، والشام. و قد ألهم قوة الحفظ و قال عن نفسه أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. و لقد قال شيوخه عنه انه كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كلُّ شغلِه كان في العلم.و يعد أحد كبار الحفّاظ الفقهاء و من أهم علماء الحديث و علوم الرجال و الجرح و التعديل و العلل عند أهل السنة و الجماعة، له مصنّفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح، المشهور باسم صحيح البخاري، الذي يعد أوثق الكتب الستة الصحاح و الذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم.
و لقد ابتلى الامام البخارى مثل غيره ممن ليسوا بعلماء السلطان فيحكى ان الأمير خالد بن أحمد الذُّهْليُّ والي بخارى طلب من الامام محمد بن إسماعيل البخارى ان يحمل إليهَ كتاب (الجامع) و (التاريخ) وغيرهما ليسمعها منه، فكان رد الامام البخارى لمبعوث الامير: أنه لا يذِلُّ العلم، و لا يحمله إلى أبواب الناس، فإن كان للامير حاجةٌ منه، فليحضُرْ الى المسجد، أو في داره، وإن لم يعجبه هذا فإنه سلطانٌ، فليمنعه من المجلس، ليكون له عذرٌ عند الله يوم القيامة؛ لأنه لا يكتم العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن سُئِل عن علم فكتَمه، أُلجم بلجام من نار”، فكان ذلك سبب الوحشة بينهما، فاعتبرها الامير اهانه و سلط عليه حريث بن أبي الورقاء و غيره، فتكلَّموا في مذهبه و لم يهدأ الامير الا بنفيه خارج البلاد. فيقال انه دعا عليهمو استجاب الله لدعائه فلم يمر الا شهر و قد نودى على الامير خالد بناءا على امر الطاهريه و هو على اتان، و أما حريثٌ، فإنه فلقد ابتلى فى اولاده و اهله باشد انواع البلايا.
و حكى عبدالقدوس بن عبدالجبار السمرقندي عن وفاة الامام البخارى بانه ذهب إلى خرتنك (قريةٌ على فرسخين من سمرقند)، عند أقرباء له، و سمعه ذات ليلةً بانه يدعو الله عز وجل بعد فراغه من صلاة الليل، اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبِضْني إليك، فما تم الشهر حتى مات، وقبره يوجد بخرتنك رحمه الله.
سبب تأليف صحيح البخاري:
لقد كان البخارى عند اسحاق بن راهويه فسمع من اصحابه استحسان تجميع سنن النبى صل الله عليه و سلم فى كتاب فوقع ذلك فى قلبه و شرع فى التدوين. و يقال انه اخرج كتابه من حوالى ستمائه الف حديث. و انه ما وضع فى كتابه الا الصحيح من الحديث حتى انه كان يغتسل و يصل ركعتين قبل كتابة اى حديث. و لقد استغرق فى كتابة مصنفه ستة عشرة سنه.
ذكر فى كتاب سير اعلام النبلاء ان النجم بن الفضيل قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه، فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه، وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه. فالامام البخارى كان يتتبع خطى رسول الله صل الله عليه و سلم.
أهميه كتاب صحيح البخاري
وصل عدد من سمع هذا الكتاب كما قال محمد بن يوسف الفِرَبْري تسعون ألفَ رجل. و اخبرنا الامام البخاري بانه رأي النبي صلى الله عليه وسلم فى منامه و هو واقف بين يديه و فى يده مروحه يذب بها عنه، و لما سأل بعض المفسرين عن ذلك فقالوا له انه يذب عنه الكذب و ذلك من الاسباب التى جعلته يكتب الجامع الصحيح.
قال أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي عن شهادة العلماء فى كتاب الامام البخارى بانه لما فرغ منه عرضه على الامام احمد بن حنبل و يحيى بن معين و على بن المدينى و غيرهم استحسنوه و شهدوا له بالصحه الا فى اربع احاديث و اردف العقيلى بان الصحه عند البخارى رحم الله ائمة اهل السنه و الجماعه
و لاهميه كتاب صحيح البخارى فلقد تناوله العديد من الائمه بالشرح و في ما يلى اهم تلك الشروحات:
- فتح الباري لابن رجب
- الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري
- عمدة القاري
- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري
- التوضيح لشرح الجامع الصحيح
- التوشيح شرح الجامع الصحيح
- مصابيح الجامع الصحيح
منهج البخارى فى صحيحه
كان البخارى رحمه الله إذا كتبت عن رجل سأله عن اسمه و كنيته و نسبته و حمله الحديث. و لقد سلك رحمه الله في تأليف هذا الصحيح على الترتيب الفقهي، و لم يقتصر على ذلك فقط بل تعداه إلى أبواب اخرى في شتى أنواع العلوم، كالزهد و التاريخ و التفسير و الرد على الجهمية و الطب وغيرها، و لذلك كان كتابه جامعًا.
اشترط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة من ينقله من الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات و يكون إلاسناد متصلا غير مقطوع، و إن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن و إن لم يكن إلا راو واحد و صح الطريق إليه كفى.
هناك طبقات لرواة الحديث و بمثال اصحاب الزهرى يصنفون على خمس طبقات و لكل منها مزيه عن التى تليها بمعنى اصحاب الطبقه الاولى هم الغايه فى الصحه و هى من يقصدها الامام البخارى، و يليها اصحاب الطبقه الثانيه التى تشارك الطبقه الاولى فى التثبت الا ان الاولى جمعت مع ذلك الحفظ و الاتقان و طول الملازمه للزهرى، اما اصحاب الطبقه الثانيه لم تلازم الزهرى الا مده يسيره فكانوا في الإتقان دون الأولى و هم شرط مسلم.
فمن اصحاب الطبقة الأولى يونس بن يزيد و عقيل بن خالد الأيليين و مالك بن أنس و سفيان بن عيينة و شعيب بن أبي حمزة و الثانية بالأوزاعي و الليث بن سعد و عبد الرحمن بن خالد بن مسافر و ابن أبي ذئب، و الطبقة الثالثة نحو جعفر بن برقان وسفيان بن حسين وإسحاق بن يحيى الكلبي و الرابعة نحو زمعة بن صالح ومعاوية بن يحيى الصدفي والمثنى بن الصباح و الخامسة نحو عبد القدوس بن حبيب والحكم بن عبد الله الأيلي ومحمد بن سعيد المصلوب.اصحاب الطبقة الأولى هم شرط البخاري الذى يركز على السماع و الرؤيه المباشره.